على أثر موشيه شامير
إعداد وإخراج: مور فرانك | مُعِد شريك: أڤنير بين عاموس
تصميم: كنيرت كيش | استشارة إضاءة: جودي كوپفرمان | استشارة موسيقى: روعي ياركوني | مساعدة مخرج\ منتجة: چابريئيلا ڤيلتس
ممثلي مجموعة المسرح: رونين بابلوكي، شيرلي چال، أساف دچاني\ إهود فاردي، عادي مئيروڤيتش
مرافقة السيرورة الفنيّة: روت كنير
عرض الافتتاح: 26.4.2013 متحف تل أبيب للفنون
أعادة النظر في النصوص التي عبّرت عن الحلم الصهيوني وصممت شخصيّة التسابار (من ولد في إسرائيل) الأسطوري، لكنها احتوت بداخلها ايضًا على انكسار هذا الحلم ونفي شخصية التسابار.
في الحقول، يمشي ويتورّط
لقد مرّ خمسة وستون عام منذ أن عُرضت المسرحيّة الأسطوريّة “هو مشى في الحقول” أثناء حرب 1948.
وقد قالوا تم تحريرنا،
لكن منذ ذلك الحين الأمور تتعقّد وتشتبك أكثر فأكثر،
وقالوا ان أوري لم يعد يمشي في الحقول،
ولكن ما زلنا نرى حقول،
وأناس يذهبون ولا يرجعون، مازلنا نرى،
مازلنا نرى-
ولكن كيف؟ كيف لي أن أسرد من جديد القصّة التي كبرت عليها؛ كيف أخلق قصّة جديدة من القصتين القديمتين، دون أن تلغي الواحدة منها السابقة، على العكس تمامًا – فكما يفكك طفل لعبة سيارة لكي يرى مما تتكوّن، وبعدها يقوم بتركيب قطع سيارة أخرى ويفحص إذا ما زالت تسير – هكذا أحاول بناء الپازل الذي هو أكبر من مجموع أجزائه، وذلك مع العلم التام بأنّي لا أملك كل القطع الناقصة.
هو يمشي (ثانيةً) في الحقول\ أڤنير بين عاموس
“اريد ان اشكركم على التجربة العميقة التي قدّمتوها لي. نحن…، الذين بقينا على قيد الحياة، مُرجَعون من خلال تذكر “چيت هعاماكيم” إلى أيّام الفرح الكبير في حياتنا- حيث اندمج صِبانا مع صِبا الوطن، وصفوة أمنياتنا وجدت لها سبيل وامكانيّة تَرَفُّع تحت ظروف الوقت”. *
لقد مرّ خمسة وستون عام منذ العرض الافتتاحي لمسرحيّة هو مشى في الحقول في 31 أيّار 1948، في أوج حرب الاستقلال. جميع السكان اليهودي تأثّروا من موت أوري البطولي، “التسابار” الأوّل الذي تكلّم العبريّة بدون لكنة على خشبة مسرح “الكامري”. ولكن اليوم؟ هل هناك من يتأثر بعد؟ هل يوجد أي معنى، بعد الكم الهائل من الأموات البطوليّين، أن نعود لقصّة أوري وميكا، ڤيلي وروتكِة؟ قبل أن نحاول الإجابة على هذا السؤال، يجب أن نستفسر أوّلًا عمّا نتحدث عندما نتحدّث عن “هو مشي في الحقول”. خلف هذا العنوان يقف عمليًّا نصّان منفصلان: الرواية التي كتبها موشيه شمير بين السنوات 1945-1946، والمسرحيّة التي كتبها شمير بحسب الرواية نفسها في بداية سنة1948 . ظاهريًّا يبدو انها القصة نفسها، عن الشاب الصغير العائد من المدرسة الزراعيّة الى كيبوتسه، چات هعماكيم، يقع بحب ميكا، صبيّة ناجية من المحرقة، كان أباه قد ساهم في مجيئها الى البلاد، ينضم الى الپلماح (كتائب الكوماندو) ويُقتل. ولكن في الحقيقة انهم عملان فنيّان مختلفان تمامًا.
الرواية كتبت عندما كان شمير ما زال شريك في كيبوتس مشمار هعيمك، في فترة هادئة نسبيّا في حياة السكان اليهودي في أرض إسرائيل، حيث كان من الممكن التمعُّن بالمجتمع الجديد الذي تكوّن باستيحاء من المفاهيم الصهيونيّة واختباره. هذا التمعُّن الذي اجراه شمير أدّى الى تقديم لائحة اتهام ضد هذا المجتمع، ضد جيل الاهل، بل بالأخص جيل الشباب، التسابر المبجّل. أوري الابن البكر للكيبوتس يعود الى اللبيت من المدرسة الزراعيّة، لكنه لم يجد له مكان هناك: عائلته تفككت، أعضاء الكيبوتس يرون بة نسخة باهتة لأباه، أريه ينهار تحت حمل التزاماته المتضاربة تجاه حبيبته الحامل وجماعة الپلماح (سرايا الصاعقة). مطارد بأمنية الموت، متردد، يترنّح بين العوالم المختلفة بدون توقف، حتى ان ما أنهى حياته بفعل شبه بطولي. هذا هو نقد غير مباشر للمشروع الصهيوني، الذي أراد تنمية يهودي جديد على ارض إسرائيل، قوي العضلات والعزيمة، ملئ بالثقة، لكنه مطيع وخنوع. شمير يكشف التناقضات الداخلية في داخل الشخصيّة ويعرضها كإناء فارغ، مزيّف وهو عالِم بمنصبه الزائف\المفترض.
في ذلك الوقت شمير الذي قد غادر الكيبوتس، سلّم الرواية سنة 1947 لمكتبة العمال، الناشرة الرسميّة “للكيبوتس هأرتسي” الحركة التي تبع لها كيبوتسه. دار النشر طبعت الكتاب لكنها لم تغلفه ورفضت نشره بسبب كونه نقديّ. الكتاب أُنقذ من المخزن بفضل يوسف ميلو، مدير مسرح الكامري، الذي توجه لشمير في بداية حرب 1948 وطلب إذنه لإعداد العمل لمسرحيّة. شمير الذي كان متأثرًا بالحرب نظرًا لسقوط شقيقه الأصغر “إليك” (22.1.1948) استجاب للطلب وانضم لميلو في العمل على إعداد الرواية للمسرح مغيرًا شكلها تمامًا.
لم يبق الكثير من الرواية السيكولوجيّة المرتكزة على الانهيارات النفسيّة لشخصياتها، ومكانها نتجت مسرحيّة متقطعة، بحسب أسلوب المسرح الملحمي لبريخت، المسرحية ارتكزت على العمليّة العسكريّة الجماعية التي يقوم بها أبطال المسرحية، وقد وضعت بإطار طقس ذكرى. البعد النقدي ايضًا اختفى بشكل تام تقريبّا ، واستبدل بالسجود للجندي العبري الذي تغفر له جميع مضاعفه باللحظة التي يضحّي بها بنفسه من أجل الوطن.
الرواية نشرت تمهيدًا للعرض الافتتاحي للمسرحيّة، والتزامن ساهم في تغشية الفروقات بين الكتاب والمسرحيّة، ووضع الرواية في ظل المسرحيّة. بكل الأحوال فضّل المجتمع الإسرائيلي التمعّن بنفسه من خلال الانعكاس المشرّف الذي تعكسه المسرحيّة وليس الرواية. المسرحيّة عُرضت عدّة مرات إضافية في السنوات 1956 (الكامري)، 1966 (مسرح حيفا)، 1997 (مسرح بئر السبع)، 2008و2013 (بيت تسڤي)، كما وتم انتاجها بعمل سينمائيّ سنة 1967 (تحت إخراج وبطولة أسي ديان)، كل واحد من هذه العروض كان فرصة لوضع شخصية اوري على نصب تذكاري عالٍ.
هذه المسرحيّة هي صيغة جديدة ل”هو يمشي في الحقول”، وهي ترتكز على نص يدمج بين مقاطع من الرواية ومشاهد من النص المسرحي. في حين ان المسرحيّة الاصلية في نهاية الامر تكلّمت بصوت واحد، المسرحيّة الحالية مبنيّة على مبدأ التعددية -تعدديّة الأصوات، النظرات، وجهات النظر. العودة الى نص الرواية تتيح إزاله أوري من عن الركيزة، تنظيف الغبار عن بطل سنوات الأربعين، فحص ما الذي يستتر تحت ناصية الجمال، وإبراز معاصرة نص شمير.
موقفه المنتقد مهم حتّى اليوم، بالاخص أمام الحضور المستمر للمشروع الصهيوني، الذي مرّ في تقلبات عديدة منذ ذاك الوقت، ولكنه بقي مشروع وطني عسكري بالأساس. حتّى الآن مشينا في تلام حان الوقت ان نمشي في حقول.
*ناتان كوهين، من كيبوتس همافعيل، في رسالته لمجموعة مسرح الكامري، بعد مشاهدته لهو يمشي في الحقول سنه 1956. يقتبس چاد كينار، “مسرحيّة هو يمشي في الحقول ومكانتها في المسرح الإسرائيلي”، مداعي هيهادوت(علوم اليهوديّة)، 39، 1999، ص. 68.